11 سبتمبر 2013
صادف يوم 11 سبتمبر/أيلول مرور أربعين عاماً على الانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال أوغستو بينوشيه والذي سحق الطبقة العاملة في تشيلي وكان إيذاناً ببدء 17 عاماً من الدكتاتورية العسكرية الفاشية. أطلق الانقلاب العنان لقمع فظيع أدى إلى مقتل وإخفاء وتعذيب عشرات الآلاف من العمال والطلاب واليساريين التشيليين وإجبارهم على العيش في المنفى.
تم التحريض على حمام الدم المضاد للثورة هذا من قبل إدارة نيكسون في واشنطن وتم تنظيمه بالتعاون الوثيق مع وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون. و كان جزءاً من سلسلة من الانقلابات المدعومة من الولايات المتحدة والتي اجتاحت أمريكا اللاتينية في البرازيل عام 1964، وبوليفيا عام 1971، وأوروغواي عام 1973، والأرجنتين عام 1976 ، وفرضت دكتاتوريات عسكرية ملتزمة بقمع الطبقة العاملة والدفاع عن مصالح رأس المال الأجنبي والمحلي.
تم احياء الذكرى السنوية في تشيلي بسلسلة من المظاهرات والفعاليات، بما في ذلك مسيرة شارك فيها حوالي 60 ألف شخص حملوا ل صور ضحايا النظام ولافتات كتب عليها 'بعد 40 عاماً من الانقلاب، لم يُنس أحد ولا أحد'.
وفي حفل أقامته أحزاب المعارضة، أعلنت ميشيل باشيليت، رئيسة الحزب الاشتراكي السابقة والمرشحة للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أنه 'من الظلم الحديث عن الانقلاب باعتباره مصيرا محتوم لا مفر منه'.
وهي بلا شك على حق، ولكن ليس للأسباب التي تتخيلها. لم يكن الانقلاب حتميا. وأظهرت الطبقة العاملة التشيلية شجاعة ومثابرة هائلتين، ولكن حكومة الوحدة الشعبية بقيادة الرئيس سلفادور الليندي خانتها لصالح الجزار بينوشيه، و دفع الليندي حياته ثمنا لذلك.
ضمت حكومة الوحدة الشعبية، التي سيطر عليها حزب الليندي الاشتراكي والحزب الشيوعي التشيلي الستاليني، أيضًا قسماً من الديمقراطيين المسيحيين وأخضعت الانتفاضة الثورية غير العادية للعمال التشيليين للرأسمالية. بحلول عام 1973، كانت هذه الحكومة تستعيد بالقوة المصانع التي استولى عليها العمال، ودعت جنرالات الجيش، بما في ذلك بينوشيه نفسه، إلى حكومتها لتنسيق هذا القمع بشكل أفضل.
كانت المأساة في تشيلي جزءاً أساسياً من سلسلة الخيانات التي قامت بها الستالينية والاشتراكية الديمقراطية والنقابات العمالية، التي سمحت للرأسمالية بالبقاء على قيد الحياة في موجة عالمية من النضالات الثورية في أواخر العقد السابع وأوائل العقد الثامن من القرن العشرين، بدءًا من أحداث مايو ويونيو في عام 1960 مروراً بفرنسا عام 1968، إلى الإضرابات الجماهيرية في إيطاليا وألمانيا عام 1969، والاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحرب، وثورات الغيتو والنضالات الصناعية المسلحة في الولايات المتحدة، وسقوط الديكتاتوريات الإسبانية والبرتغالية واليونانية، وإضراب عمال المناجم البريطانيين الذي أسقط حكومة هيث المحافظة.
وفي تشيلي وأماكن أخرى في أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، تم دعم هذه الخيانات وتحريضها من قبل الاتجاه التحريفي بقيادة ميشيل بابلو وإرنست ماندل، الذي انفصل عن التروتسكية وتخلى عن البرنامج الثوري للأممية الرابعة. وبدلاً من ذلك، عزز هذا الاتجاه السياسات الكاستروية القومية البرجوازية الصغيرة وسياسات حرب العصابات، وبالتالي تحويل طبقة كاملة من الشباب ذوي العقلية الثورية بعيداً عن النضال من أجل حل أزمة القيادة الثورية في الطبقة العاملة والتوجه إلى مواجهات مسلحة انتحارية مع الجيش.
ينشر موقع الاشتراكية العالمية أدناه، بشكل مختصر، البيان الذي أصدرته بعد أيام من الانقلاب اللجنة الدولية للأممية الرابعة، الحركة التروتسكية العالمية. واحتفظ هذا التحليل للديناميكية السياسية والاجتماعية للأحداث التشيلية بصحته ويكتسي أهمية حيوية في الإعداد لمرحلة جديدة من النضال الثوري اليوم.
الدفاع عن الطبقة العاملة التشيلية
بيان صادر عن الأممية الرابعة في 18 سبتمبر 1973
يا أنصارالستالينية والثورة المضادة
'دافعوا عن حقوقكم الديمقراطية ليس من خلال الجبهات الشعبية والبرلمان، ولكن من خلال الإطاحة بالدولة الرأسمالية وتأسيس السلطة العمالية. لا تضعوا ثقتكم في الستالينية أو الاشتراكية الديمقراطية أو الوسطية أو التحريفية أو البرجوازية الليبرالية، بل ابنوا حزباً ثورياً للأممية الرابعة سيكون برنامجه هو الثورة الدائمة.
هذه هي الدروس التي تكتبها البروليتاريا التشيلية البطلة بالدم بينما حصدت الدبابات وفرق الإعدام التابعة للبرجوازية التشيلية خسائرها القاتلة، وقيام القادة الستالينيين والاشتراكيين والبرجوازيين الليبراليين بتفتيش الثكنات بحثاً عن جنرال متعاطف أو كانوا يستعدون لتحقيق السلام مع أسياد تشيلي الجدد.
لن تنسى الطبقة العاملة أبداً المقاومة غير المتكافئة ولكن الملهمة للعمال التشيليين الذين أظهروا، وليس للمرة الأخيرة، أنهم القوة الثورية الوحيدة في تشيلي التي تواجه الإمبريالية والرأسماليين المحليين. لكنها لن تغفر أبدا للقادة الستالينيين والاشتراكيين، الذين مكّن جبنهم السياسي وخيانتهم الدنيئة البرجوازية التشيلية من أن تحذو حذو إندونيسيا واليونان وبوليفيا والسودان.
شهدت هذه الأحداث بأكثر الطرق دموية على أزمة قيادة الطبقة العاملة والمخاطر الهائلة التي تواجه الطبقة العاملة نتيجة لانهيار النظام النقدي العالمي وإجراءات ريتشارد نيكسون في 15 أغسطس 1971.
وتم إدانة الستالينية مرة أخرى باعتبارها المدافع الأكثر ثباتاً عن الملكية البرجوازية والدولة البرجوازية والعدو الأشرس للطبقة العاملة في نضالها من أجل الدفاع عن الحقوق الديمقراطية الأساسية.
فمنذ بداية نظام سلفادور الليندي في نوفمبر 1970، تم استخدام كل ثقل بيروقراطية موسكو لدعم البرجوازية التشيلية الرجعية والضعيفة وإرباك الطبقة العاملة من خلال أدوات الحزب الشيوعي التشيلي.
إذا كانت المؤسسة العسكرية لم تتمكن في 1970-1971 من الاستيلاء على السلطة واضطرت إلى الانتظار ثلاث سنوات لتنفيذ خططها، فيمكننا القول بشكل قاطع أن ذلك كان لأنه تطلب فرض الارتباك السياسي المخطط والمنهجي الذي نفذته الستالينية قبل تهيئة الظروف للانقلاب. كان السلاح الأيديولوجي الرئيسي للستالينيين التشيليين في تهيئة الظروف للانقلاب هو النظرية المنشفية القائلة بالثورة على مرحلتين والمفهوم المفلس المتمثل في 'الطريق البرلماني السلمي إلى الاشتراكية' من خلال الجبهات الشعبية ، وكلاهما أدى إلى نزع سلاح الطبقة العاملة و ومنعت تعبئتها في اللحظة الحاسمة.
تجاهل آثار الأزمة النقدية والاقتصادية العالمية، التي أوصلت أليندي إلى السلطة في المقام الأول، والتقليل بشكل واعي من الطبيعة الطبقية الرجعية للدولة الرأسمالية، مع المبالغة وتشويه التوجه الإصلاحي لقسم صغير من البرجوازية التشيلية، أصبحت الستالينية التشيلية جلاد الثورة التشيلية.
لم تكن الهزيمة حتمية
لا يمكن الدفاع عن الطبقة العاملة التشيلية دون الكشف عن الأكاذيب وأنصاف الحقائق والتشويهات الصريحة التي لجأ إليها الستالينيون البريطانيون والأوروبيون للتغطية على أسباب الهزيمة والتقليل من حجم عواقبها.
فبعد أن ساهموا بشكل كبير في خداع العمال التشيليين من خلال دعمهم غير النقدي لكل تراجع إصلاحي من قبل الليندي، يحاول الستالينيون الأوروبيون الآن تقديم الأحداث التشيلية على أنها مأساوية ولكنها حتمية تاريخيا. وآخر ما يرغب فيه هؤلاء البيروقراطيون الإصلاحيون هو إجراء فحص صادق للأحداث في تشيلي.
إن خوفهم واحتقارهم للطبقة العاملة كبيران لدرجة أنهم لن يجرؤوا على توجيه أدنى انتقاد لسياساتهم. بل إن الأمر على العكس من ذلك إذ إن هزيمة شيلي سوف تشجعهم على ملاحقة 'الطريق السلمي' بقوة أكبر.
لقد تم تحديد كل مرحلة من مراحل الكارثة التشيلية من خلال أزمة قيادة الطبقة العاملة، وإفلاس الستالينية والديمقراطية الاشتراكية التشيلية. وقد تم التعبير عن هذا الإفلاس في الرفض المطلق لمصادرة ملكية الرأسماليين التشيليين بالكامل، وفي السجود الكامل للدولة الرأسمالية التي ارتدت زي الدفاع عن '100 عام من ديمقراطية الكونغرس في تشيلي'.
إن الدروس المستفادة من تشيلي عالمية وتنطبق بشكل خاص على بلدان مثل إيطاليا وفرنسا حيث تهيمن الستالينية على الحركة العمالية وتستخدم عقيدتها الرجعية المتمثلة في 'التعايش السلمي' و'الديمقراطية المتقدمة' لتهدئة الجماهير والسماح بالفاشية والدولة الرأسمالية للتحضير لهجماتهم.
لقد أظهر تاريخ أمريكا اللاتينية في القرن العشرين بأكمله، بالإضافة إلى التجربة الغنية لحركة الطبقة العاملة الأوروبية منذ كومونة باريس، بوضوح لا يرحم أن الدولة الرأسمالية ليست محايدة، ولكنها تعبير عن الإرادة الجماعية للطبقة الحاكمة. إنها آلة إكراه طبقة للهيمنة على طبقة أخرى. و الوظيفة الوحيدة للدولة هي الدفاع عن علاقات الملكية الرأسمالية.
وفي عصر تراجع الرأسمالية، الإمبريالية اشتد الصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الملكية إلى حد كبير، وبنفس القدر، تعزز دور الدولة في التدخل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد. اتخذ جهاز القمع “وفرق الرجال المسلحين”، كما عرّف إنجلز آلة الدولة حجماً أخل بالتوازن وصار الهجوم على الحقوق الديمقراطية الأساسية سمة منتشرة للحكم الرأسمالي. وفي حالب فشلت الطبقة العاملة في إنشاء حزب ثوري والإطاحة بالدولة، فإن الانتقال إلى الفاشية والبونابرتية يصبح حتمياً.
وكان هذا هو الدرس الذي تعلمته ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا في العقد الرابع من القرن الماضي . كما كانت هذه هي المهمة الرئيسية التي واجهها ائتلاف الليندي في عام 1970، لكن الليندي تجنبها باستمرار بمساعدة الستالينيين.
دور الجيش
لا يمكن لأي نظام شعبي أن يتعايش مع القوات المسلحة التشيلية التي قادها الممثلون الأكثر رجعية للرأسماليين وملاك الأراضي. وكان كل واحد من قادتها رجعياً محترفاً تدرب في وكالة المخابرات المركزية.
فبدلاً من حل الكونغرس ومجلس الشيوخ والقوات المسلحة، وبدلاً من إنشاء ميليشيا شعبية تستمد قوتها من مجالس العمال والفلاحين الفقراء، أصبح الستالينيون التشيليون المدافعين الرئيسيين عن 'القانون والنظام' البرجوازي من خلال تشكيل حكومة الجبهة الشعبية.
وفي ندوة نظمتها مؤخرا المجلة الستالينية World Marxist Review، أعلن المتحدث باسم الستالينية التشيلية، بانشيرو، بوضوح عن موقف حزبه تجاه الدولة: 'إن السمة المميزة للعملية الثورية في تشيلي هي أنها بدأت وتستمر في إطار المؤسسات البرجوازية في الماضي. ... في تشيلي، حيث تجري الآن ثورة شعبية ديمقراطية مناهضة للإمبريالية والاحتكار والإقطاع، فقد احتفظنا بشكل أساسي بآلة الدولة القديمة. ويعمل في المكاتب الحكومية بشكل رئيسي المسؤولون القدامى. … وتمارس الإدارة مهامها بتوجيه ورقابة الحكومة الشعبية.
'إن القوات المسلحة، التي تراعي وضعها كمؤسسة مهنية، لا تشارك في النقاش السياسي وتخضع للسلطة المدنية المشكلة قانونياً. وتطورت أواصر التعاون والاحترام المتبادل بين الجيش والطبقة العاملة باسم الهدف الوطني المتمثل في تحويل تشيلي إلى أرض حرة ومتقدمة وديمقراطية.
'تطالب العناصر اليسارية المتطرفة بـ”الإدخال” الفوري للاشتراكية. ومع ذلك، فإننا نعتقد أن الطبقة العاملة ستكتسب السلطة الكاملة تدريجياً فمع سيطرتنا على آلة الدولة، سنبدأ في التحول لصالح التطوير الإضافي للثورة.'
وقد سبق بانشيرو الستاليني البريطاني إدريس كوكس، الذي قدم مواعظ أيضاً عن 'الطريق السلمي':
'في بريطانيا، كثيراً ما يُطرح السؤال، ولكن في الأساس من جانب العناصر اليسارية المتطرفة، حول ما إذا كان بوسعنا تحقيق هدفنا دون استخدام القوة المسلحة أو الحرب الأهلية. لا يمكن لأحد أن يعطي ضمانة بأن هذا لن يحدث، ولكن وجهة نظرنا هي أنه مع التغير في ميزان القوى العالمية، وضعف موقف الطبقة الحاكمة البريطانية، فمن غير المرجح أن تستخدم القوة المسلحة لمواجهة تحدي القوى العالمية. لإلغاء نتائج انتخابات ديمقراطية.'
تم التعبير عن تبرير كوكس بشكل أكثر إيجازاً من قبل بابلو نيرودا، الشاعر الستاليني وسفير تشيلي في باريس: 'أما بالنسبة لجيشنا، فنحن نحبه. إنهم الأشخاص الذين يرتدون الزي العسكري'.
غير أن المؤلفين الحقيقيين لهذه الاستراتيجية الإصلاحية لا يمكن العثور عليهم في بريطانيا أو تشيلي، بل في المركز البيروقراطي في موسكو. ومن أجل مصلحة سياستها الخارجية والداخلية، كانت البيروقراطية السوفييتية البطل الرئيسي ليس فقط في 'الطريق السلمي'، بل والأهم من ذلك، في تبني نهج جديد وأكثر مرونة في التعامل مع القوات المسلحة في أمريكا اللاتينية.
فعلى مدى أجيال، كان تقليد الاشتراكيين في أمريكا اللاتينية وحتى بعض أقسام الستالينيين هو معاملة الجيش بعداء وشك، لكن هذا الموقف تعارض مع سياسة بيروقراطية الاتحاد السوفييتي، التي تقضي بالاعتراف بكل دكتاتور عسكري والمتاجرة به. سواء كان فرانكو (إسبانيا) أو بابادوبولوس (اليونان) أو لون نول (كمبوديا). ومن هنا كان 'المنظرون' السوفييت في الماضي القريب منشغلين بتكييف زملائهم في أمريكا اللاتينية للعمل مع الجيش وتحت قيادته.
وللقيام بذلك، حاولوا إخفاء الطابع الطبقي للجيش ودوره القمعي بشكل أساسي. ففي عدد تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 من مجلة كومنت، كتب الدكتور شوغولفسكي مقالة مطولة أوضحت بطريقة قاطعة الخط الجديد، الذي وجد تكملة دموية له في تشيلي.
'ترى الأحزاب الشيوعية أن القوى السليمة في الجيوش يجب أن تلعب دوراً مهماً في حركة التحرر وفي إحداث تغييرات اجتماعية عميقة. يعارض الشيوعيون بشدة وجهات النظر المبتذلة المناهضة للعسكرية، وأي مظهر من مظاهر التحيز [!!] فيما يتعلق بالجيش، لأن هذه ببساطة تصب الماء في الطاحونة الرجعية.'
بالرغم من تقديمها كتحليل نظري، إلا أن هذه المقالة هي بمثابة تعليمات واضحة للمتشككين في الحزب الشيوعي. وبنفس الطريقة، لا بد من التذكير بأن الراحل ستالين أصدر تعليماته للشيوعيين الصينيين في العقد الثالث من القرن الماضي بإخضاع أنفسهم لجيش الكومينتانغ التابع لشيانج كاي شيك على أساس أنه كان تحديثياً، وتقدمياً، وحتى ثورياً. أدت هذه النظرية البيروقراطية مباشرة إلى أعظم مذبحة للشيوعيين شهدتها الصين، وهي مذبحة شنغهاي.
الاستسلام لليمين
في تشيلي، اكتسبت هذه المسألة أهمية إضافية بسبب واقع أن كلا من الكونغرس ومجلس الشيوخ كانا خاضعين لهيمنة الأحزاب الديمقراطية المسيحية والقومية اليمينية، وكلاهما كانا ملتزمين بالإطاحة بالليندي.
لقد استغل الديمقراطيون المسيحيون، بقيادة مرشح وكالة المخابرات المركزية إدواردو فراي، الشرعية الزائفة التي منحها أليندي للكونجرس ومجلس الشيوخ إلى أقصى حد، لإبطاء وعرقلة تشريعاته الإصلاحية، وفي الوقت نفسه إعداد خطة هجوم منسقة. في هذه الخطة، كان حلفاؤهم الرئيسيون هم الستالينيون، الذين دعموا حتى النهاية رفض الليندي المستمر لبناء ميليشيا عمالية. ففي ذروة أزمة مجلس الوزراء في سبتمبر 1972، أوضح الليندي بشكل خاص تصميمه على القضاء على المعارضة اليسارية المتطرفة لإصلاحاته الفابية ورفض صراحة فكرة الميليشيا الشعبية.
'لن تكون هناك قوات مسلحة هنا غير تلك المنصوص عليها في الدستور. وهذا يعني الجيش والبحرية والقوات الجوية. سأقضي على أي آخرين إذا ظهروا '.
ووفق مقياس التاريخ، كانت إصلاحات الليندي الهزيلة، التي أثارت آمالًا كبيرة في العمال والفلاحين والطبقة الوسطى، أقل وزناً بكثير من خيانة هذه التطلعات من خلال الاحترام القسري للشرعية الدستورية.
وهكذا تمكن الرجعيون في المعارضة من دمج خططهم بشكل أكثر فعالية مع 'غوريلا' القوات المسلحة والدائنين الأجانب والاحتكارات المصادرة. وباستخدام أغلبيتها الدستورية في المجلسين والبناء على خيبة الأمل المتنامية في البلاد إزاء فشل الليندي في وقف التضخم، نفذت المعارضة المرحلة الأولى من خطتها: إرغام الوزراء المتطرفين على الاستقالة وتعيين الضباط. بعد الانتخابات الفرعية التي أجريت في يناير 1972، اضطر أليندي إلى إسقاط وزير الداخلية الاشتراكي، في حين تم حظر خططه لإصلاح نظام المجلسين بشكل فعال من قبل المعارضة.
وفي يونيو 1972، أدى المزيد من الضغط والمحادثات السرية بين الحكومة والمعارضة إلى حدوث أزمة وزارية أخرى عندما أقال الليندي وزير الاقتصاد اليساري بيدرو فوسكوفيتش، وأسقط خطط التأميم. وقد حظي هذا، كما كان متوقعاً، بدعم كامل من الستالينيين الذين أصبحوا، كما حدث في إسبانيا عام 1938، الجناح اليميني المتطرف للائتلاف. واتهم الستالينيون فوسكوفيتش بـ 'تدمير الثقة في الأعمال'. وفي الوقت نفسه، دعوا إلى 'الحوار' مع الديمقراطيين المسيحيين وقبول برنامج المعارضين الزائف بشأن 'مشاركة العمال' بدلاً من التأميم.
ورحب الزعيم النقابي الستاليني فيغيرو بهذه الخطة النقابوية بعبارات متوهجة: 'يجب التعبير عن المشاركة ليس في ملكية ممتلكات الشركة من قبل عمالها، ولكن في دور فعال ونشط في الإدارة والتخطيط'. تم دمج هذا التحريض مع حملة منظمة لزيادة الإنتاجية و'العمل التطوعي' (ورد في صحيفة العمال، 1 أبريل 1972).
في أغسطس 1972، تعرض 'الطريق السلمي' لضربة قاسية عندما اشتبك أصحاب المتاجر مع الشرطة في سانتياغو استخدمها الستالينيون ذلك على الفور كذريعة للمطالبة بحظر الجماعات اليسارية المتطرفة مثل حركة مير في الجنوب مع ذريعة مثيرة للشفقة مفادها أن هذه الجماعات اليسارية المتطرفة مثل 'الحركة الثورية الأممية' (MIR) في الجنوب طالبت بحظر الجماعات اليسارية المتطرفة. إن تصرفات الجناح اليساري 'من شأنها أن توفر ذريعة للتدخل العسكري'.
إن العداء الهائل الذي أبداه الستالينيون تجاه أي مجموعة على اليسار لا تلتزم بخط الليندي وجد تعبيرا فظاً عنه في أغسطس 1972 عندما هاجم أفراد ستالينيون من الشرطة معقل لحركة MIR (اليسارية) خارج سانتياغو وقتلوا خمسة فلاحين.
وبحلول نهاية عام 1972، كان التفاعل جاهزاً للمرحلة الثانية. كان هذا إضراب أصحاب الشاحنات في الجنوب ضد التأميم. وبعد أربعة أسابيع، لم يستسلم الليندي لردة الفعل فحسب، بل وافق أيضاً على ضم ثلاثة جنرالات إلى حكومته، وللمرة الثانية أسقط وزيراً آخر للداخلية. وكان أبرز التعيينات هو الجنرال موريو براتس، رئيس القوات المسلحة والرجعي سيئ السمعة المناهض للطبقة العاملة. وتم عزل وزير الداخلية ديل كانتو لأنه سمح 'بالاحتلال غير القانوني' للصناعات الخاصة من قبل العمال. وكان هذا التحول إلى اليمين لا يرحم.
لم يكن هذا مجرد إشارة لانتصار الرجعيين، بل كان مكسباً كبيراً للستالينيين، الذين ناضلوا طوال الوقت ضد أي احتلال للمصانع أو الاستيلاء على الأراضي وعارضوا بلا رحمة أي نضال لا يسيطرون عليه أو لا يخضع لاليندي.
في جميع أنحاء العالم، عملت آلة الكذب الستالينية على تشويه معنى هذه التغييرات المشؤومة. ففي تعليق (نوفمبر 1972)، في مجلة الحزب الشيوعي البريطانية، لم يتردد الكاتب في الدفاع عن الليندي وبراتس:
'أليست هذه علامة ضعف؟ أم الاستسلام؟ أم خيانة؟. … إن دخول هؤلاء الضباط إلى الحكومة، على الرغم من غرابته على ما يبدو، هو مؤشر على أن الجناح اليميني قد تم التغلب عليه وهزيمته في هذا الاشتباك في المعركة الطبقية.'
وبنفس الطريقة التي حاول بها سوكارنو في إندونيسيا تحقيق التوازن بين اليسار واليمين في حكومته المنكوبة، كافأ الليندي فيغيرو الستاليني بمنصب وزير العمل.
الأزمة الاقتصادية العصية على الحل
كمنت، وراء مؤامرات المعارضة المتزايدة، وغطرسة الجنرالات، والتردد المتزايد للرئيس سلفادور الليندي، واستسلام الستالينيين خلال الفترة 1972-1973، الأزمة غير القابلة للحل للرأسمالية التشيلية والعالمية.
فعندما تولى الليندي السلطة، كانت تشيلي في خضم أزمة اقتصادية ومالية كبرى تفاقمت منذ ذلك الحين إلى حد كبير. وانخفضت احتياطيات البنك المركزي من 500 مليون دولار إلى 280 مليون دولار، وبحلول أبريل 1972 قدرت بما لا يزيد عن 60 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، تجاوزت الديون الخارجية لتشيلي 3000 مليون دولار، وكان معظمها خاضعاً للتدقيق من قبل محافظي البنوك المركزية الأوروبية.
وكان الفشل في التنصل من هذا الدين الوطني الضخم، إلى جانب الانخفاض المستمر في أسعار تصدير النحاس، يعني أن الليندي اضطر إلى خفض قيمة الإسكودو التشيلي أربع مرات في غضون عامين. وبلغت خدمة الدين الخارجي وحده ما يقرب من 300 مليون دولار في عام واحد. لقد أنهى انهيار برايتون وودز وتقليص المساعدات الخارجية الأمريكية كل أمل في أن يكون الاقتصاد الرأسمالي التشيلي قادراً على سداد ديونه. وقد شجعت تسوية الليندي والستالينيين مع الدائنين الأجانب ردة الفعل المحلية على زيادة الضغط لوقف المزيد من التأميم والاستعداد العلني للثورة المضادة.
أدان الستالينيون مظاهرات العمال والطلاب ضد الجناح اليميني، في حين انشغل الليندي بالإشادة بالكارابينيروس المكروهين، نخبة قوات الشرطة المستخدمة في الهجمات ضد العمال والمحتلين.
عبرت كلمات الليندي بوضوح عن الرهبة، ناهيك عن العجز، الذي شعر به الطبيب البرجوازي الصغير أمام آلة الدولة الرأسمالية وافتقاره التام إلى الثقة في الطبقة العاملة:
'ليس من قبيل الصدفة أن يكون شعار الكارابينيرو هو 'النظام والوطن'. النظام، القائم على السلطة الأخلاقية، في التنفيذ الصحيح للواجبات، والذي لا يعني بأي حال من الأحوال إنكار التسلسل الهرمي. في الواقع، لديك شعور بالانضباط والتسلسل الهرمي ينمو بناءً على المفهوم الذي تمتلكه هذه الحكومة بشأن الانضباط الاجتماعي واستخدام القوة العامة' (مطبعة العمال، 11 مايو 1972). وكان هذا 'الشعور بالانضباط والتسلسل الهرمي' على وجه التحديد هو الذي دفع الحرس الرئاسي إلى الاستسلام عندما وقع الانقلاب العسكري.
وفي سبتمبر 1972، نفى الليندي أي احتمال لحدوث انقلاب عسكري: 'أعتقد أن حكومتي هي أفضل ضمان للسلام. هنا توجد انتخابات وحرية. تسعون بالمئة من التشيليين لا يريدون مواجهة مسلحة'.
لكن نسبة الـ 10% المتبقية لم تشارك أوهام الليندي الستالينية. وبدأت مجموعات جديدة مثل جبهة 'الحرية والوطن' شبه الفاشية في التسلح علانية ضد النظام، بينما أنشأ الملاكون العقاريون في الجنوب جيوشاً خاصة لفرض 'عدالة' موجزة على الفلاحين. وبالإضافة إلى ذلك، وبموجب شروط التسوية التي تم التوصل إليها في أكتوبر/تشرين الأول 1972 مع المعارضة، سلم أليندي سلاحاً لا يقدر بثمن لرد الفعل من خلال تحرير محطات الراديو التشيلية البالغ عددها 155 محطة ومنع الارتباط الإجباري بشبكة الدولة.
بحلول عام 1973، كانت سياسة 'الاعتدال والمصالحة' التي اتبعها الستالينيون قد خيبت آمال العمال الصناعيين، ولأول مرة بدأ عمال مناجم النحاس في الإضراب من أجل زيادة الأجور. كانت هذه علامة خطيرة على الأزمة، ولكن بناء على نصيحة الوزراء الستالينيين، هاجم الليندي الطبقة العاملة بأبشع طريقة.
عند عودته من موسكو في يناير 1973، هاجم أليندي عمال مناجم النحاس المضربين ووصفهم بأنهم 'مصرفيون محتكرون حقيقيون، يطلبون المال من جيوبهم دون أي اعتبار للوضع في البلاد'.
وفي الخطاب نفسه، كشف الليندي أن الدين الخارجي ارتفع خلال عامين من 3000 مليون دولار إلى 4020 مليون دولار، واعترف كذلك بأنه كان ينبغي حل البرلمان في مرحلة مبكرة. كان هذا هو ثمن 'الطريق السلمي'.
وهنا أيضا أظهر الستالينيون أيديهم. عندما أضرب عمال مناجم النحاس في منجم النحاس المؤمم الضخم في تينينتي لمدة 70 يوما ًللمطالبة برفع الأجور، عارض الستالينيون مبادرات الليندي لعمال المناجم ووصفوها بأنها 'متذبذبة' و'غير مقبولة على الإطلاق' وشجعوا النظام على استخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع ضد عمال المناجم المتظاهرين. وتم وضع مقاطعة أوهيغينز ، منطقة الاضطرابات ،تحت السيطرة العسكرية.
في الوقت نفسه، قدم الليندي اقتراحاً بإعادة جنرالات الجيش الذين استقالوا من مناصبهم في مارس 1973. وكان الغرض من هذه الخطوة واضحًا: أراد الليندي والستالينيون استخدام الجيش ضد الطبقة العاملة، على الرغم من أن قادة حزبه كانوا مخطئين و مقتنعين بأن المعارضة تستعد للانقلاب في أغسطس أو سبتمبر!
وفي يونيو/حزيران 1973، قام اليمين بأول محاولة له للوصول إلى السلطة في أعقاب إضراب عمال مناجم النحاس. فشلت هذه المحاولة التي قام بها الفوج المدرع الثاني، لكنها أظهرت مدى تعرض النظام لاحتمال انقلاب.
وقد حفز هذا الهجوم الطبقة العاملة على التحرك، والاستيلاء على المصانع وتعزيز جمعيات العمال التي ظهرت في أكتوبر إلى نوفمبر 1972.
وكان رد فعل الزعيم الستاليني التشيلي، لويس كورفالان، على الانقلاب الفاشل في 29 يونيو شاهدا على ذعر هؤلاء الخونة عندما رأوا الكتابة اليدوية على جدار قصر الليندي. لقد انتهى الشعور بالرضا عن الذات والنشوة، ولكن بدلاً من ذلك كان هناك شلل مرعب أمام الجيش: 'تم احتواء التمرد بسرعة، بفضل الإجراء السريع والحازم من قبل القائد الأعلى للجيش، وولاء القوات المسلحة وقوات الشرطة. ... نحن مستمرون في دعم الطابع المهني المطلق للمؤسسات المسلحة. وأعداءهم ليسوا من صفوف الشعب، بل من المعسكر الرجعي' (الماركسية اليوم، سبتمبر 1973).
وحتى في هذه الساعة المتأخرة، كان من الممكن تغيير الوضع بالقيادة الحازمة والحاسمة. لكن الستالينيين التشيليين اتبعوا مساراً لم يكن خاطئاً فحسب، بل الأسوأ من ذلك أنه متناقض. وكما كتب كورفالان: 'يجب أن يكون الشعار الوطني والثوري: لا للحرب الأهلية! لا للفاشية'. لكن الفاشية هي حرب أهلية ضد العمال، ووجود الدولة الرأسمالية يحمل في طياته خطر الحرب الأهلية ضد الطبقة العاملة. ومن خلال نبذ الحرب الأهلية وترك النضال في أيدي الضباط البرجوازيين الرجعيين، سهلت الستالينية التشيلية هزيمة العمال وعجلت بها.
لكن العمال التشيليين تعرضوا لضربة أكثر خطورة. وفي هذا البحث اليائس عن حلفاء، بدأ الستالينيون التشيليون في توجيه أكثر النداءات الانتهازية إلى صفوف الفاشيين والأحزاب القومية المتطرفة. توسل كورفالان بلا خجل إلى أتباع بابلو رودريغيز، الفاشي، من أجل 'الحوار' لتجنب الحرب الأهلية، من أجل 'توحيد بلادنا، وتجنب الانقسامات المصطنعة بين التشيليين، الذين لديهم مصلحة مشتركة'. كما كان متوقعاً، تعامل الفاشيون مع توسلات كورفالان بازدراء وسخرية. .. ومضوا في التحضير لحرب أهلية.
وفي حين أصبح العمال متشككين بشكل متزايد في النظام وبدأوا في تنظيم أنفسهم بشكل عفوي دفاعاً عن النفس، كثف اليمين استعداداته وتحدث علناً عن اتباع 'الطريق الإندونيسي'. تحدثت صحيفة 'إل ميركوريو' اليومية البرجوازية الكبرى في تشيلي، بشماتة في 27 يوليو/تموز عن المذبحة 'العفوية والمروعة' في إندونيسيا التي، 'لم تكن مروعة حقًا' في رأيها لأنها جعلت إندونيسيا 'واحدة من الدول الرائدة في جنوب آسيا، حيث استقر الاقتصاد وساد النظام'.
دعا فراي، الرئيس السابق، صراحة إلى سحق 'الجيش الموازي' الذي ينمو في المصانع. في هذه الحالة، لم يكن من الممكن أن يمنع الانقلاب أو يسحقه إلا الإجراء الأكثر حزما الذي اتخذته الحكومة في تسليح العمال، وحل الجيش، وتنبيه الطبقة العاملة بأكملها إلى النضال. لكن الحكومة والستالينيين فعلوا العكس.
أعيد تفعيل 'قانون الحد من الأسلحة' الذي صدر في أزمة أكتوبر 1972 بهدف منع تسليح العمال. في البحرية والجيش، استخدم الضباط اليمينيون لامبالاة وسلبية ولامبالاة الستالينيين للخطب وتلقين الرتب والاستعداد للتمرد. ولم تؤد مناشدات الليندي الحارة للجيش إلا إلى زيادة تصميم الجنرالات على وضع نهاية سريعة وقاسية لتجربة 'الطريق السلمي'.
وهكذا أصبح الهجوم الأخير على قصر الرئيس في 11 سبتمبر بمثابة الضربة القاضية للخطة التي تم وضعها فقط بسبب إذعان الحكومة والحزب الستاليني. ومثل هتلر وفرانكو، انتصر الجنرال بينوشيه افتراضياً، بسبب خيانة الستالينية.
البرجوازية الصغيرة والرجعية
يجب توجيه سؤال أخير إلى الستالينيين. لماذا لا يجرؤ أي زعيم ستاليني على الإجابة على السؤال الأكثر أهمية الذي طرحته الهزيمة؟ لماذا تحولت الطبقة الوسطى الحضرية، ومعها الرتب المتوسطة والدنيا في الجيش، بهذا العنف ضد النظام؟ إذا كان 'الطريق السلمي' و'احترام الشرعية' هو الضمان الوحيد لكسب الطبقة المتوسطة، فلماذا فشلوا إلى هذا الحد المأساوي في تشيلي؟
و لماذا إلقاء اللوم على مؤامرات وكالة المخابرات المركزية أو ميل الطبقة الوسطى إلى دعم الأنظمة العسكرية دائماً، كما يشير الستالينيون الآن، هو بمثابة تشويه للماركسية وإخفاء خيانة الجبهة الشعبية. كما كتب تروتسكي في 'إلى أين فرنسا؟' (1934):
'تتميز البرجوازية الصغيرة بتبعيتها الاقتصادية وبتباينها الاجتماعي. وترتبط طبقتها العليا مباشرة بالبرجوازية الكبيرة. وتندمج شريحتها الدنيا مع البروليتاريا، بل وتهبط إلى مرتبة البروليتاريا الرثة. وفقا لوضعها الاقتصادي، لا يمكن أن تحظى البرجوازية الصغيرة بسياسة خاصة بها. وهي تتأرجح دائما بين الرأسماليين والعمال. الفئة العليا الخاصة بها تدفعها إلى اليمين؛ أما شرائحها الدنيا، المضطهدة والمستغلة، فقادرة في ظروف معينة على التحول بشكل حاد نحو اليسار.'
وتابع تروتسكي أنه في فترات الأزمات الحادة وغياب القيادة الثورية، 'تبدأ البرجوازية الصغيرة في فقدان صبرها'. إنها تتخذ موقفاً عدائياً أكثر فأكثر تجاه طبقتها العليا. وتقتنع بإفلاس وغدر قيادتها السياسية. … إن خيبة الأمل هذه لدى البرجوازية الصغيرة، ونفاد صبرها، ويأسها، هي بالتحديد ما تستغله الفاشية. … الفاشيون يظهرون جرأة، ويخرجون إلى الشوارع، ويهاجمون الشرطة، ويحاولون طرد البرلمان بالقوة. وهذا يترك انطباعا لدى البرجوازيين الصغار اليائسين'.
إن كلمات تروتسكي هي وصف دقيق للبرجوازية الصغيرة في عهد الليندي. كانت البرجوازية الصغيرة أول ضحايا سياسة التحالف في محاولة استرضاء الطبقة العاملة بالإعانات، مع الوعد بزيادة الإنتاجية للصناعيين، والحد من التأميم بشكل كبير ورفض التنصل من العبء الضخم للديون الخارجية التي تورطت فيها حكومة فراي السابقة الموالية للولايات المتحدة.
وكان الانخفاض الصافي في القوة الشرائية والاستهلاك محسوسًا بشكل أكبر بين الطبقة المتوسطة الدنيا. أراد كبار الرأسماليين خفض قيمة الإسكودو على نطاق واسع أو تجميد الأجور على نطاق واسع إلى جانب تحويل دولارات الاستيراد من المواد الغذائية إلى السلع الرأسمالية. ومن ناحية أخرى، أراد العمال المزيد من التأميم والرقابة العمالية ووضع حد للاحتيال البرلماني.
لقد رفض الليندي والستالينيون كلا البديلين ووقعوا في فخ تناقضاتهم الخاصة. كانت مسألة وقت فقط قبل أن يضرب الإمبرياليون والمجلس العسكري. ونقترح لرثاء حكومة الليندي، الاقتباس التالي عن لينين:
'لا يمكن للبروليتاريا أن تحقق النصر إذا لم تكسب أغلبية السكان إلى جانبها. لكن قصر الفوز على تصويت أغلبية الأصوات في انتخابات تحت حكم البرجوازية، أو جعل ذلك شرطاً لذلك، هو غباء فادح أو محض خداع للعمال. ومن أجل كسب أغلبية السكان إلى جانبها، يجب على البروليتاريا، في المقام الأول، أن تطيح بالبرجوازية وتستولي على سلطة الدولة؛ ثانياً، يجب عليها فرض السلطة السوفييتية وتحطيم جهاز الدولة القديم تماماً، حيث يقوض على الفور حكم وهيبة وتأثير المتنازلين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار على الشعب العامل غير البروليتاري. ثالثاً، يجب عليها أن تدمر تماماً نفوذ البرجوازية والبرجوازيين الصغار التوفيقيين على غالبية الجماهير غير البروليتارية من خلال تلبية احتياجاتها الاقتصادية بطريقة ثورية على حساب المستغلين.'
بناء الحزب الثوري
إن الدفاع عن الطبقة العاملة التشيلية يعني استيعاب الدروس الحيوية لهذه الفترة وبناء قيادة ثورية جديدة، على أساس مبادئ لينين وتروتسكي.
وفي حين أنه من الصحيح أن الستالينية لعبت دوراً رئيسياً في هزيمة تشيلي، فمن المستحيل تحليل الهزيمة بمعزل عن تحليل دور الوسطيين والتحريفيين الذين لعبوا دور الشركاء الراغبين وغير الراغبين في الستالينية.
لم يتخذ الوسطيون في حركة اليسار الثوري، الذين كان لهم أتباع كبيرون بين الفلاحين الذين لا يملكون أرضا في الجنوب، موقفاً مبدئياً تجاه الليندي وخلقوا ارتباكا كبيرا في صفوف الفلاحين. إن سياستهم المتمثلة في 'الدعم النقدي' للليندي عنت في الواقع الاستسلام للجبهة الشعبية. مثل حزب العمال للوحدة الماركسية في كاتالونيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، سحبت هذه المجموعة معارضتها لأليندي في انتخابات الكونجرس في مارس 1973 على وجه التحديد عندما كان من الممكن أن يؤدي التحدي الجريء للستالينيين والاشتراكيين والمطالبة بحكومة العمال والفلاحين إلى حشد الأغلبية. من العمال والفلاحين الفقراء.
لقد لعب التحريفيون في الأمانة العامة المتحدة دوراً أكثر خزياً. كتبت صحيفة 'الميليشيات' (جريدة حزب العمال الاشتراكي الأمريكي) في عددها الصادر في 4 سبتمبر 1973: 'لكن لا يوجد حتى الآن حزب يستطيع أن يأخذ هذا المثال (السيطرة الشعبية على الإنتاج) وينشره على مستوى التنسيقيات العمالية في جميع أنحاء البلاد.'
لماذا لا يخبر حزب العمال الاشتراكي قراءه بما حدث لحزب العمال الثوري التشيلي، وهو قسم من الأمانة العامة المتحدة، الذي تخلى عن اللجنة الدولية وانضم إلى الأمانة العامة المتحدة لدعم النظريات التحريفية لماندل وهانسن، وهي النظريات التي تصفية التروتسكية في أمريكا اللاتينية واستبدالها بأفكار وأساليب جيفارا وكاسترو؟ لماذا لا يتذكر حزب العمال الاشتراكي أنه كان هو نفسه البطل الرئيسي لهذا الخط السياسي؟
أليس حقيقة أنه تم تدمير الحزب التروتسكي في تشيلي، ليس على يد الستالينية أو أي مجلس عسكري، ولكن من خلال التطبيق الواعي للنظرية التحريفية القائلة بأنه يمكن القيام بالثورات بنجاح دون بناء حزب ماركسي؟
لكن الهزيمة التشيلية لن تغير شيئاً في الأمانة العامة التحريفية. وبعيداً عن أن يتعلموا أي دروس، فإن هذه الأحداث تدفعهم إلى الاقتراب من البيروقراطية والبرجوازية الوطنية والإمبريالية. ولهذا السبب، على سبيل المثال، لم يتردد التحريفيون في المجموعة الماركسية الأممية في السير مع الأبطال الستالينيين للجبهة الشعبية في بريطانيا في المظاهرة ضد المجلس العسكري التشيلية ومن أجل الجبهة الشعبية في تشيلي.
لقد وصلت التحريفية بالتأكيد إلى مرحلة جديدة في انحطاطها. ومن خلال السير مع الجبهة الشعبية، و تماهت بشكل علني مع الاستعدادات المضادة للثورة التي قامت بها الستالينية والبرجوازية. إن محاربة الستالينية والكاستروية يعني تدمير التحريفية سياسياً.
وتدعو اللجنة الدولية إلى أقصى قدر من التضامن من جانب الطبقة العاملة الدولية لمنع الشحن والبضائع التشيلية، وتأمين إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وكذلك وقف عمليات الإعدام بإجراءات موجزة التي ينفذها المجلس العسكري. وفي الوقت نفسه، نطالب حكومة الاتحاد السوفييتي وأنظمة أوروبا الشرقية بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع المجلس العسكري التشيلي وتقديم كل المساعدات للعمال المحاصرين في تشيلي.
* يسقط المجلس العسكري في تشيلي!
* تسقط الجبهة الشعبية!
* فلتسقط الستالينية!
* يحيا عمال تشيلي!
* يجب بناء أقسام اللجنة الدولية للأممية الرابعة !
18 سبتمبر 1973