العربية
Perspective

حملة قمع بايدن في الحرم الجامعي: الحزب الديمقراطي يكشر عن أنيابه مرة أخرى.

27 أبريل 2024

خلال الأيام القليلة الماضية، تحول حرم الجامعات الأمريكية إلى مشاهد لهجمات الشرطة العنيفة على الطلاب. تم اعتقال الشباب الذين تظاهروا سلمياً ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة في شهرها السادس فقط وهي واحدة من أفظع الجرائم في التاريخ، و وصل عددهم إلى 1000 شخص. وانتشرت الشرطة بالزي القتالي وعلى ظهور الخيل. و نُشر القناصة في مباني الحرم الجامعي. كما قام رجال الشرطة بصعق الطلاب. وفي جامعة إيموري، تم، بعنف، اعتقال الأساتذة الذين حاولوا حماية الطلاب.

لو حدثت هذه المشاهد في إيران، على سبيل المثال، لكانت هناك تغطية شاملة في وسائل الإعلام الأميركية ومطالبات 'بالتدخل الإنساني' لحماية المتظاهرين. ولكن هذه هي أمريكا. لذا أدانت وسائل الإعلام والسياسيين الطلاب الذين احتجوا سلمياً ضد القتل الجماعي و وصفونهم بـ 'معاديين للسامية '. والمزيج الفج والشفاف هو أن معارضة التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين هو معاداة للسامية.

تم تنظيم الدعاية وقمع الشرطة من المكتب البيضاوي. ورداً على سؤال حول المظاهرات في مؤتمر صحفي يوم الاثنين 22 أبريل، قال بايدن: 'أنا أدين الاحتجاجات المعادية للسامية'. وقبل ذلك بيوم، أصدر بايدن بياناً صحفياً ذكر فيه أن 'معاداة السامية أمر يستحق الشجب ولا مكان له في الحرم الجامعي'، وأعلن عن إنشاء بيروقراطية شرطة جديدة لمراقبة الجامعات و أطلق عليها الاسم الأورويلي 'الاستراتيجية الوطنية لمكافحة معاداة السامية'. ووعد بوضع 'القوة الكاملة للحكومة الفيدرالية خلف حماية الجالية اليهودية'.

إن مخاوف بايدن المزعومة بشأن معاداة السامية تتكشف من خلال حقيقة أن البيت الأبيض، في تحطيم معارضة الإبادة الجماعية في إسرائيل، يعمل جنباً إلى جنب مع معادي السامية الفعليين في الحزب الجمهوري، بما في ذلك دعاة 'نظرية الاستبدال الكبرى'، الذين يقولون إن هناك مؤامرة يهودية للقضاء على المسيحيين البيض في أمريكا.

و نقل بايدن ما لا يحصى من آلات القتل بمليارات الدولارات إلى حكومة في أوكرانيا تحتفل ببطلها القومي العظيم ستيبان بانديرا، الذي شارك أتباعه الأوكرانيون في مقتل هتلر الجماعي ليهود أوروبا الشرقية.

وبطبيعة الحال، سيتم بذل جهود غير عادية لفصل بايدن عن سياسته الخاصة وتعزيز الخيال السخيف القائل إنه يمكن إجباره بطريقة أو بأخرى على 'سماع' الاحتجاجات ذاتها التي يحاول سحقها. وهذا هو اختصاص منظمات مثل الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، وهو في الواقع مجرد فصيل داخل الحزب الديمقراطي. لكن حقيقة إدارة بايدن وما هي على استعداد للقيام به، لتدمير الديمقراطية باسم إنقاذها، لا تنبع مما يرغب أتباعها اليساريون في تصديقه بشأنها. إنها تنبثق من المصالح الطبقية التي يمثلها الحزب الديمقراطي فعلياً، وبالتأكيد مرتبطة مع تاريخ هذا الحزب بأكمله.

إنه أقدم حزب انتخابي رأسمالي في العالم. في حين أن بعض خصائصه الطويلة الأمد قد ظهرت بالفعل من خلال الحرب الأهلية، على سبيل المثال ترويجه للأيديولوجية العنصرية للتلاعب بالطبقة العاملة، فقد ظهر الحزب الديمقراطي الحديث في نقطة منتصف الطريق تقريباً بين عصر جاكسون في العقدين الثالث والرابع من القرن التاسع عشر، عصر ما خلال إدارة وودرو ويلسون (1913-1921). وفي تلك اللحظة ظهر الحزب الديمقراطي باعتباره الحزب المفضل للإمبريالية الأمريكية. ويتجلى هذا في حقيقة أنه على مدى عقود من الزمن بدأت كل حرب كبرى بوجود ديمقراطي في البيت الأبيض: الحرب العالمية الأولى (ويلسون)؛ الحرب العالمية الثانية (فرانكلين روزفلت)؛ الحرب الكورية (ترومان)؛ وحرب فيتنام (كينيدي وجونسون).

وقد استلزمت هذه الحروب الكبيرة تحويل الاقتصاد وانضباط القوى العاملة. وفي هذا الصدد، لعبت دائمًا الدور الحاسم من قبل البيروقراطية العمالية، التي، إذا استعرنا عبارة من تروتسكي، 'سقطت في الحضن الفولاذي للدولة الإمبريالية' في الولايات المتحدة من خلال الحزب الديمقراطي في لحظات الحرب على وجه التحديد. حاول صامويل جومبرز من اتحاد العمال الأمريكيين تقديم هذه الخدمة إلى ويلسون خلال الحرب العالمية الأولى، وفعل والتر رويثر من اتحاد العمال المتحدين (مع العديد من رؤساء النقابات الآخرين) الشيء نفسه بالنسبة لروزفلت وترومان وكينيدي وجونسون. وحالياً نجد أن شون فاين من UAW مشغول باختبار أداء هذا الدور.

كما تطلبت الحروب الكبرى في القرن العشرين فرض ثقافة عسكرية سعت إلى السيطرة على الخطاب والفكر السياسي. إن النفوذ الأكبر الذي مارسه الديمقراطيون بين المثقفين الليبراليين وصناعة الترفيه جعلهم أكثر فائدة لهذا الغرض من الجمهوريين. وعلى حد تعبير راندولف بورن في عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى، كان دور المثقفين هو فتح 'المنافذ' التي 'تغمرنا بمياه الصرف الصحي لروح الحرب'.

لكن ولاء البيروقراطية النقابية والمثقفين للحرب الإمبريالية، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من قبل الحزب الديمقراطي، كان له دائما جانب مظلم تمثل بالقمع الشامل. ففي حرب فيتنام، قامت إدارتا كينيدي وجونسون بتوسيع منظمة COINTELPRO السرية بشكل كبير، وقد كان هدفها الرئيسي تعطيل المنظمات المناهضة للحرب. وفي الحرب العالمية الثانية، استخدمت إدارة روزفلت قانون سميث لحظر المعارضة الداخلية للحرب، وحاكمت قيادة حزب العمال الاشتراكي بأكملها تقريباً بتهمة التحريض على الفتنة، باستثناء جوزيف هانسن، الذي تم الكشف لاحقًا عن أنه مخبر لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

لكن السابقة التي مهدت الطريق لكل ما أعقب ذلك كانت العملية الواسعة النطاق التي قامت بها إدارة ويلسون لسحق مقاومة الحرب العالمية الأولى. وكان قانون التجسس الذي أصدره، والذي لا يزال قائماً في الكتب والذي من المحتمل أن يكون الأساس لأي محاكمة لجوليان أسانج، قد جعل فعليا كل معارضة للحرب العالمية الأولى خروجاً عن القانون من خلال التأكيد على أن مثل هذا النشاط يتعارض مع العمليات العسكرية. تم استخدام قانون التجسس لمحاكمة وسجن يوجين دبس، الشخصية المؤسسة للاشتراكية الأمريكية، لمعارضته دخول الولايات المتحدة في الحرب في خطابه الشهير في كانتون.

وبموجب قانون التجسس، والقوانين المشابهة التي تم سنها على مستوى الولاية، سُجن مئات الاشتراكيين والمناضلين العماليين. كان مطلوب من الصحافة الأجنبية أن تقدم إلى مدير مكتب البريد نسخاً مترجمة من جميع منشوراتها. وقامت إدارة ويلسون فعلياً بتفويض منظمة أهلية جماعية، تسمى رابطة الحماية الأمريكية، نفذت هجمات عنيفة على الإضرابات العمالية والمنظمات ال الراديكالية. استمرت مثل هذه التكتيكات بعد الحرب، بقيادة وتنظيم الفيلق الأمريكي وكو كلوكس كلان. وتم استهداف المتطرفين المهاجرين بشكل خاص، حيث قامت 'غارات بالمر' التي أطلقها ويلسون بجمع الآلاف وترحيل المئات في الأشهر التي تلت بداية الحرب.

إن القضية الحاسمة التي واجهت ويلسون، والتي يواجهها بايدن اليوم، هي منع التقارب بين الطبقة العاملة ومعارضة الحرب. وعلى الرغم من جهود جومبرز، واجه ويلسون أكبر موجة إضرابات في التاريخ الأمريكي. لقد ترك أكثر من مليون عامل وظائفهم في عامي 1917 و1918، ثم أضرب 4.5 مليون عامل عن العمل في عام 1919. وفي الوقت نفسه، استولت الثورة البلشفية على السلطة في روسيا، وأعلنت 'الحرب على الحرب' في عهد لينين وتروتسكي. في ظل هذه الظروف، كان برنامج ويلسون القمعي بمثابة جهد يائس، ولم ينجح إلا جزئياً، لمنع تأثير الاشتراكية على الطبقة العاملة.

ومثل إدارة ويلسون من قبلها، يسعى البيت الأبيض في عهد بايدن إلى منع معارضة الحرب التي يخشى اندماجها مع الحركة الحاشدة للطبقة العاملة. لكن بايدن يفعل ذلك في ظل ظروف مختلفة تماماً.

ففي أيام ويلسون، كانت الرأسمالية الأمريكية في صعود على مدار عقود من الزمن. لكن لم تعد. سعت الرأسمالية الأمريكية منذ عقود إلى التعويض عن انحدارها الاقتصادي طويل الأمد من خلال التأكيد بشكل عنيف على هيمنتها العسكرية. فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، شنت واشنطن ووكلاؤها سلسلة متواصلة من الحروب: العراق، والصومال، وصربيا، وأفغانستان، واليمن، وليبيا، وسوريا، وأوكرانيا، وغزة، على سبيل المثال لا الحصر، وهي الأكثر دموية. لقد قتلت الحروب وشردت الملايين، وكلفت تريليونات الدولارات، وسممت الثقافة الأميركية والحياة الفكرية. ومع ذلك، فإنها لم تسفر إلا عن تسريع الانحدار الاقتصادي الأميركي، الأمر الذي أثار مؤخراً تساؤلات حتى حول وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية.

ومن الواضح الآن أن هذه الحروب، التي تشكل قوساً حول أوراسيا مركزه الجغرافي في الشرق الأوسط، كانت تحضيراً لحرب عالمية ثالثة، وهي في الواقع في مراحلها الأولى بالفعل.

كما لاحظنا في منظور حديث تعليقاً على توقيع بايدن على القانون الذي خصص شريحة ضخمة أخرى من تمويل الحرب،

من خلال ربط الإنفاق الحربي في أوكرانيا وإسرائيل وتايوان معاً في تشريع واحد، أشار مشروع القانون إلى أن إدارة بايدن والنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة ككل لا تنظر إلى هذه الصراعات على أنها منفصلة ومتميزة، بل هي بالأحرى مسارح متصلة في حرب عالمية. تقاتل الإمبريالية الأمريكية على جبهة واسعة تمتد من المحيط المتجمد الشمالي إلى البحر الأسود، ثم عبر الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وصولاً إلى الصين والمحيط الهادئ.

لا يوجد اختلاف حول المبدأ بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل فقط حول كيفية تقديم برنامج الهيمنة على العالم ونشره.

ولذلك، فإن من الأمور الملحة أن يتوصل الشباب المحتجون على الإبادة الجماعية إلى الاستنتاجات السياسية اللازمة وينفصلوا نهائياً عن الحزب الديمقراطي، وتلك القوى السياسية المتجمعة حوله. يجب عليهم أن يتجهوا بوعي إلى القوة الثورية التي لديها الوسائل والحافز لإنهاء الحرب والنظام الرأسمالي الذي يولدها أي الطبقة العاملة الأمريكية والعالمية.

Loading